بسم الله الرحمـن الرحيـم .. و الصلاة و السلام على أشــرف المــرسليـن ..
السـلام علــيـكـم و رحمـة الله تعـالى و بــركـاتـه
تمضي الأيـام .. لكن الذكرى تبقــى الماضــي مضـى .. و المضارع يمضي
لذلك فلنطـوي صفحـة الماضـي و لنبــدأ بصفحات بيضــاء جديــدة
و لنــجعل من من الذكريات الــوانا في كتابنا و لنــملئ صــفاحتنا البيــضاء بســطور ذهبية
تعــكس جمالها على منتــدانا هذا ..
الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله
مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا ..
من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً مرشدا ..
و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه و
سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..
ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الـخـبــيـر ..
ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم .
مَرحَبَاً بِكُم زوَار و أعضاء المنتدى الكرام، فِي بَيتِ الإهدَاء!؟
أُقَدِّم لكم أيُّهَا الأحِبّة هَديَّة اليوم، هِي عِبَارَةٌ عَن:
سِلسِلة كَرِيمَة بِعُنوان
أسرار الصَّلاة
و الفَرق و الموازنَة بين ذَوق الصَّلاة و السَّماع
للإمَام العلامَة أبي عَبد الله محمَّد بن أبي بَكر بن أيُّوب الزَّرعي الدِّمشقي
الشَّهير بابن قيِّم الجَوزيَّة
العَدَدُ التَّاسِع
عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات
و لما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال و الأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، و الذل ، و الثناء عليهم و طلب البقاء ،
و الدوام لهم ، و أن يدوم ملكهم.
فمنهم : من يحيّي بالسجود و منهم من يحيي بالثناء عليه
و منهم : من يحيي بطلب البقاء ، و الدوام له .
و منهم : من يجمع له ذلك كلّه فيسجد له ، ثم يثني عليه ، ثم يدعي له بالبقاء و الدوام.
و كان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه ، و هي له بالحقيقة و هو
أهلها ؛ و لهذا فُسرت التحيات بالملك ، و فسرت بالبقاء و الدوام ، و حقيقتها ما ذكرته ، و هي تحيات المُلك و المَلك و المليك.
فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك ، فهو أولى به فهو سبحانه المَلك ، و له المُلك ، فكل تحية تحي بها ملك من سجود أو ثناء ،
أو بقاء ، أو دوام فهي لله على الحقيقة ؛ و لهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف و اللام إرادة للعموم ، و هي جمع تحية ، تحيا
بها الملوك ، و هي " تُفعُلة" من الحياة ، و أصلها " تحييه" على وزن " تكرمه" ، ثم أدغم إحدى اليائين في الآخر
فصارت " تحيَّة " فإذا كان أصلها من الحياة ، و المطلوب منها لمن تحي بها دوام الحياة ، كما كانوا يقولون لملوكهم :
لك الحياة الباقية ، و لك الحياة الدائمة.
و بعضهم يقول : عش عشرة آلاف سنة.
و اشتق منها :
أدام الله أيامك أو أيامه ، و أطال الله بقاءك.
و نحو ذلك مما يراد به دوام الحياة و الملك ، فذلك جميعه لا ينبغي إلا لله الحي القيوم الذي لا يموت.
الذي كل مَلكٍ سواه يموت ، و كل مُلك سوى ملكه زائل.
عطف الصلوات و الطيبات
ثم عطف عليها الصلوات بلفظ الجمع و التعريف ؛ ليشمل ذلك كلّما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصا و عموماً ، فكلّها لله و لا تنبغي
إلا له ،فالتحيات له ملكاً ، و الصلوات له عبودية و استحقاقاً ، فالتحيات لا تكون إلا لله ، و الصلوات لا تنبغي إلا له .
ثم عطف عليها بالطيِّبات ، و هذا يتناول أمرين: الوصف و الملك.
فأما الوصفُ: فإنه سبحانه طيِّب ، و كلامه طيِّبٌ ، و فعله كلّه طيب ، و لا يصدر منه إلا طيّب ، و لا يضاف إليه إلا الطيِّب ،
و لا يصعد إليه إلا الطيّب.
معنى الطيِّبات
فالطيبات له وصفاً و فعلاً و قولاً و نسبةً ، و كلّ طيّب مضاف إليه طيّب ، فله الكلمات الطيبات و الأفعال ، و كلّ مضاف إليه كبيته
و عبده ، و روحه و ناقته ، و جنته دار الطيبين ، فهي طيبات كلّها ، و أيضا فمعاني الكلمات الطيبات لله وحده ، فإنها تتضمن تسبيحه ،
و تحميده ، و تكبيره ، و تمجيده ، و الثناء عليه بالآئه و أوصافه ؛ فهذه الكلمات الطيبات التي يثنى عليه بها ، و معانيها له وحده
لا شريك له: كسبحانك اللهمَّ و بحمدك وتبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك.
و كسبحان الله و الحمد لله ، و لا إله إلا الله ، و الله أكبر.
و سبحان الله و بحمده ، سبحان الله العظيم ، و نحو ذلك . و كلّ طيّب له و عنده و منه و إليه ، و هو طيّب لا يقبل إلا طيّباً ،
و هو إله الطيبين و ربهم ، و جيرانه في دار كرامته ، هم الطيبون.
أطيب الكلام بعد القرآن
فتأمل أطيب الكلمات بعد القرآن ، كيف لا تنبغي إلا لله ؟ و هي : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة
إلا بالله ، فإن " سبحان الله " تتضمن تنزيهه عن كل نقص و عيب و سوء عن خصائص المخلوقين و شبههم.
و " الحمد لله " تتضمن إثبات كلّ كمال له قولاً ، و فعلاً ، و وصفاً على أتمِّ الوجوه ، و أكملها أزلاً و أبداً .
و " لا إله إلا الله " تتضمن انفراده بالإلهية ، و أن كل معبود سواه باطل ، و أنه وحده الإله الحق ، و أن من تأله غيره فهو بمنزلة
من اتخذ بيتاً من بيوت العنكبوت ، يأوي إليه ، و يسكنه من الحرِّ و البرد ، فهل يغني عنه ذلك شيئاً .
و " الله أكبر " تتضمن أنه أكبر من كلِّ شيء ، و أجل ، و اعظم ، و أعز و أقوى و أمنع ، و أقدر ، و اعلم ، و أحكم ، فهذه الكلمات
لا تصح هي و معانيها إلا لله وحده.
عبودية التَّسليم على الأنبياء و الصالحين
ثم شرع له أن يسلِّم على سائر عباد الله الصالحين ، و هم عباده الذين اصطفى بعد الثناء ، و تقديم الحمد لله فطابق ذلك قوله :
{ قُل الحمدُ للهِ و سلامٌ على عباده الذين اصطفى} [النمل :59] ، و كأنه امتثال له ، و أيضا فإن هذا تحية المخلوق فشرعت بعد تحية
الخالق و قدم في هذه التحية أولى الخلق بها و هو النبي صلى الله عليه و سلم ، الذي نالت أمته على يده كل خير ، و على نفسه ،
و بعده و على سائر عباد الله الصالحين ، و أخصهم بهذه التحية الأنبياء و الملائكة ، ثم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، و أتباع
الأنبياء مع عمومها كل عبد صالح في السماء و الأرض.
ثم شرع له بعد هذه التحية السلام على من يستحق السلام عليه خصوصاً و عموماً.
معنى الشهادتين في التحيات
ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة ، و الصلاة حق من حقوقها ، و لا تنفعه إلا بقرينتها و هي الشهادة
للرسول صلى الله عليه و سلم بالرسالة ، و ختمت بها الصلاة كما قال عبد الله بن مسعود : " فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك ، فإن
شئت فقم و إن شئت فاجلس".
و هذا إما أن يحمل على انقضائها إذا فرغ منه حقيقة ، كما يقوله الكوفيون ، او على مقاربة انقضائها و مشارفته ، كما يقول أهل
الحجاز و غيرهم ، و على التقديرين فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة . كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة.
" فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".
و كذلك شرع للمتوضئ أن يختتم وضوءه بالشهادتين ، ثم لما قضى صلاته أذن له أن يسأل حاجته.
الصلاة على النبيِّ
و شرع له أن يتوسل قبلها بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء ، كما في السنن
عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله ، و الثناء عليه ، و ليصل على رسوله
ثم ليسل حاجته".
ثم جعل الدعاء لآخر الصلاة كالختم عليها.
فجاءت التحيات على ذلك ، أولها حمدٌ لله ، و الثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة ، و أَذِنَ النبي صلى الله عليه
و سلم للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.