مصطلح الثورة كائن غريب :
كثيرا ما شغل بالي وتفكيري مصطلح ثورة ، خاصة بعد أن أخذ يتردد على أسماعنا كثيراً في الآونة الأخيرة ، وفي الحقيقة كنت دائما أنظر إليه بريبة وتحفظ تماماً ككائن غريب قادم من الفضاء ، أمعن النظر وأعيد مرة ومرة ومرة ، هذا الكائن الغريب لا يستسيغه عقلي ولا يقبله قاموسي وترفضه لغتي ، وفي النهاية يلفظه قلبي ، لا أجد له مستقرا ومستودعاً فيه ، رغم أنه نال اهتمام الشعراء والمفكرين والإعلاميين والفنانين والأدباء والمثقفين ورجل الشارع على السواء ، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها إجلالاً له وولاءاً وتمجيداً ، تأملت وتأملت وتأملت حاولت أن أعرف لماذا هذا النفور ؟ فنظرت لمرجعي السماوي بعد استفتاء قلبي ، فلم أجد للمصطلح وجود ولا أصل ، ولم أجد صعوبة تذكر في أن أعرف أن الكلمة مستوردة ودخيلة لفظاً ومنهجاً وأسلوباً ، هي فعلاً كائن غريب وهكذا وجدت تفسيراً لردة فعلي ومبرراً لنفوري واشمئزازي وبغضي ورفضي .
فقد جاء التعبير عن التغيير في القرآن والسنة ، بلفظ الإصلاح بدلاً عن الثورة ، لأن الإصلاح فيه رفق ولين ، ولا ينشأ عنه فساد ولا ظلم ، وكان هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الدعوة للإسلام فأصلح بذلك القلوب والعقول والنفوس والأرواح والأبدان ، في حين الثورة التي من أدواتها القوة والعنف ، ينشأ عنها الكثير من الظلم والفساد ، وتنشر الفوضى والعبث والدمار من حولها ، تماماً كما تنشره البراكين في ثورانها ، مع مراعاة الفارق إذ أن البراكين تحقق النظام قمة النظام في الفوضى والدمار وتجسد الحكمة الإلهية .
فإذا كان منهج الإصلاح كما جاء في السنة ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ) فإن الثورة عكس الإصلاح تسير في اتجاه معاكس ، تبدأ من حيث ينتهي الإصلاح ، وتنتهي حيث يبدأ ، فمنهج الثورة ( من رأى منكم منكراً فليغيره بقلبه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبيده ) رغم أنف النواميس والسنن والقوانين ، فعلا الثورة كائن غريب ، أم عساني أنا الكائن الوحيد الغريب هنا ؟؟